الثلاثاء، 1 أغسطس 2017

التحقيق المُعْرِب عن حال حديث التهليل عشر بعد صلاة الفجر والمغرب



التحقيق المُعْرِب عن حال حديث التهليل عشر بعد صلاة الفجر والمغرب

حرره

أبو العباس السالمي الأثري

عفا الله عنه



بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين وبعد:
فهذا بحث حديثي لحديث اشتهر العمل به بين الناس، وهو حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله  قال: (( من قال بعد صلاة الصبح وهو ثان رجله قبل أن يتكلم؛ لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيى ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب له بكل مرة عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكن له في يومه ذلك حرزاً من الشيطان الرجيم، وحرزاً من كل مكروه، وحرزاً من الشيطان، وكان له بكل مرة عتق رقبة من ولد إسماعيل، ثمن كل رقبة اثنا عشر ألفاً، ولم يلحقه يومئذ ذنب إلا الشرك بالله، ومن قال ذلك بعد صلاة المغرب كان له مثل ذلك )).
وحررت فيه القول – بعد فضل الله – لمَّا أخبرني بعض إخواني أن بعضهم يضعفه، مع علمي أن علامة الزمان ومحدث الشام الإمام الألباني يصححه، فاستعنت بالله وبحثته بحثاً حديثياً على حسب القواعد التي أصلها أهل الحديث؛ لله درهم .
فما كان فيه من صواب فمن الله وحده لا شريك له، وهو المستعان، وما كان فيه من خطأ أو نسيان؛ فمني ومن الشيطان والله ورسوله  منه بريئان.
وصلِّ اللهم على نبينا ورسولنا محمد وآله وسلم.
أبو العباس السالمي الأثري
الثلاثاء10/3/1426هـ



بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله  قال: (( من قال بعد صلاة الصبح وهو ثان رجله قبل أن يتكلم؛ لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيى ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب له بكل مرة عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكن له في يومه ذلك حرزاً من الشيطان الرجيم، وحرزاً من كل مكروه، وحرزاً من الشيطان، وكان له بكل مرة عتق رقبة من ولد إسماعيل، ثمن كل رقبة اثنا عشر ألفاً، ولم يلحقه يومئذ ذنب إلا الشرك بالله، ومن قال ذلك بعد صلاة المغرب كان له مثل ذلك )).
ــــــــــــــــــــ
أخرجه الطبراني في (الأوسط) [ 5/4643] وفي (الشاميين) [1/23] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) [38/100] من طريق موسى بن محمد عن هانئ بن عبد الرحمن ورديح بن عطية عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعاً به.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم بن أبي عبلة إلا هانئ بن عبد الرحمن ورديح بن عطية تفرد به موسى بن محمد.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [10/108]: (فيه موسى بن محمد بن عطاء البلقاوي وهو متروك)
قلت: حديث باطل
فيه موسى بن محمد بن عطاء البلقاوي (كذبه أبو زرعة وأبو حاتم وقال النسائي ليس بثقة وقال الدارقطني وغيره متروك وقال ابن حبان لا تحل الرواية عنه كان يضع الحديث وقال ابن عدي كان يسرق الحديث) ذكره الذهبي في الميزان.
وله شواهد:
الشاهد الأول: عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله  (( من قال دبر صلاة الغداة عشر مرات لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير كن له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل )).
أخرجه الطبراني في (الكبير) [ 4/4015] والنسائي في (الكبير)[6/9940] والحاث في (مسنده) [ رقم 1049زوائد] من طرق عن سفيان الثوري وعبيد الله عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعاً به.
وأخرجه الترمذي في (الجامع) [ رقم 3553] من طريق زيد بن الحباب وسفيان الثوري عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ (( من قال عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير كانت له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل )) فلم يذكرا ( من قال دبر صلاة الغداة)
وخالف جميع أصحاب محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عيسى بن المختار فرواه عنه عن عطية العوفي عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ (( من قال في دبر صلاة الغداة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير كان كعتاق رقبة من ولد إسماعيل ))
أخرجه ابن ماجه في (السنن) [ 2/3799]
قلت : 
مدار الحديث على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى واضطرب فيه؛ فمرة يرويه عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعاً.
ومرة يرويه عن عطية العوفي عن أبي سعيد مرفوعاً، وثمَّ مغايرة في المتن فمرة يذكر( من قال دبر صلاة الغداة) ومرة لا يذكرها ومرة يذكر (بيده الخير) ومرة لا يذكرها، ومرة يذكر (يحيي ويميت) ومرة لا يذكرها وغير ذلك لمن تدبر ألفاظ الروايات.
قال الإمام أحمد عنه: (مضطرب الحديث)، وقال يحيى بن معين: (سيء الحفظ جداً وقال مرة: ضعيف)، وقال شعبة: (ما رأيت أحداً أسوأ حفظاً منه)، وقال السعدي: (واهي الحديث سيء الحفظ)، وقال الحافظ في التقريب: (صدوق سيء الحفظ جداً).
قلت:
حديثه مضطرب والمتن بهذا اللفظ منكر، لأن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - وقد سبق لك حاله - خَالَفَ من هو أوثق منه بمراحل عديدة وهم:
1- عبد الرحمن بن أبي السفر، واختلف عنه:
فرواه عمر بن أبي زائدة عنه عن الشعبي عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب عن النبي  (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرار كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل )) 
أخرجه البخاري في (صحيحه) [ 5/4041] ومسلم في (صحيحه) [ 4/2693] واللفظ له، والطبراني في (الكبير) [ 4/4021] والدارقطني في (العلل) [6/405].
وخولف عمر بن أبي زائدة، خالفه شعبة فرواه عنه عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب عن النبي  قال: (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كن له كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل عليه السلام)) 
أخرجه الطبراني في (الكبير) [ 4/4020]، والخطيب في (حديث الستة من التابعين) [1 /17] 
قلت: الراوي عن شعبة هو حجاج بن نصير قال الحافظ في التقريب: (ضعيف كان يقبل التلقين)، وقال أبو حاتم: (منكر الحديث)، فتترجح رواية عمر بن أبي زائدة، ويكفي اختيار الشيخين لها.
2- إسماعيل بن أبي خالد واختلف عنه:
فرواه يعلى بن عبيد، وسفيان عنه عن الشعبي عن الربيع بن خثيم قال: (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان عدل أربع رقاب )) قيل من حدثك قال عمرو بن ميمون فلقيت عمراً فقلت من حدثك فقال عبد الرحمن بن أبي ليلى فلقيت عبد الرحمن بن أبي ليلى فقلت من حدثك قال أبو أيوب قوله.
أخرجه النسائي في (الكبير) [ 6/9941] والبيهقي في (الشعب) [ 1/595] والفسوي في (المعرفة والتاريخ) [ 3/204].
وخولف يعلى بن عبيد وسفيان خالفهما ابن عيينة فرواه عنه عن الشعبي عن الربيع بن خثيم عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب قوله؛ قال الشعبي فلقيت ابن أبي ليلى فحدثني.
قال الدارقطني في (العلل) [ 6/104] : (( وقال بن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن بن أبي ليلى عن أبي أيوب ولم يرفعه قال الشعبي فلقيت بن أبي ليلى فحدثني وكذلك قال يزيد بن عطاء عن إسماعيل وتابعهما يعلى بن عبيد ومحمد بن إسحاق ويحيى بن سعيد الأموي عن إسماعيل، ورواه عبد الله بن أبي السفر واختلف عنه فرواه عمر بن أبي زائدة عن بن أبي السفر عن الشعبي عن الربيع بن خثيم نحو قول بن عيينة ومن تابعه عن إسماعيل إلا أنه رفعه إلى النبي  ))
قلت: ولم أقف على طريق ابن عيينة هذا، ويظهر لي من كلام الدارقطني الآتي:
1- أن ابن عيينة رواه عن إسماعيل عن الشعبي على وجهين: 
الأول: ابن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي عن الربيع بن خثيم عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب قوله.
الثاني: ابن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي حدثني ابن أبي ليلى عن أبي أيوب قوله. 
2- أن ابن عيينة توبع على الوجه الثاني؛ تابعه جماعة:
1- يزيد بن عطاء. 2- يعلى بن عبيد. 3- محمد بن إسحاق. 4- يحيى بن سعيد الأموي.
قلت: ولم أقف على هذه الطرق بعد بحث جهيد، وهي تعضد رواية الوقف على أقل أحوالها.
هذا...
وقد خالف علي بن عاصم كل أصحاب إسماعيل بن أبي خالد، فرواه عنه عن الشعبي عن الربيع بن خثيم عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله  (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شرك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كل يوم كان عدل أربع محررين)) قال عامر: قلت للربيع: من حدثك هذا؟ قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي .
أخرجه البيهقي في (الشعب) [1/594]
قلت: علي بن عاصم (صدوق يخطئ ويصر) كما في التقريب، ويعلى بن عبيد (ثقة) وسفيان أمير المؤمنين في الحديث فتترجح روايتهما التي على الوقف.
قلت: والناظر للراجح من الأوجه عنهما( عبد الرحمن بن أبي السفر، إسماعيل بن أبي خالد) عن الشعبي يجد وجهين وهما.
1- عمر بن أبي زائدة عن عبد الرحمن بن أبي السفر عن الشعبي عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب عن النبي (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرار كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ))
2- يعلى بن عبيد، وسفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن الربيع بن خثيم قال: (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان عدل أربع رقاب )) قيل من حدثك قال عمرو بن ميمون فلقيت عمراً فقلت من حدثك فقال عبد الرحمن بن أبي ليلى فلقيت عبد الرحمن بن أبي ليلى فقلت من حدثك قال أبو أيوب قوله.
قلت: قال الدارقطني في (العلل)[ 6/105]: (( والحديث حديث ابن أبي السفر عن الشعبي وهو الذي ضبط الإسناد)) اهـ 
قلت: الجمع أولى من الترجيح، فالحديث صحيح مرفوعاً وموقوفاً؛ لاسيما والرواة عن الشعبي ثقات والمتن واحد. والاختلاف في الرفع والوقف سهل الجمع فيقال بعض الرواة نشط فأسنده والبعض كسل فأوقفه.
3- داود بن أبي هند واختلف عليه:
فرواه داود بن أبي هند عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كن له بعدل عشر محررين أو محرر ))
ورواه عن داود جماعة بألفاظ مختلفة منهم:
1- عبد الوهاب بن عبد المجيد: 
أخرجه الطبراني في (الكبير) [ 4/4016 ] والحسين بن الحسن المروزي في(زوائده على الزهد لابن المبارك) [1/1125]
2- يزيد بن هارون:
بلفظ (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير عشر مرات كن له كعدل عشر رقاب أو كعدل رقبة )) 
أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) [ رقم29454، 35067 ] ومن طريقه الطبراني في (الكبير) [ 4/ 4019] وعبد بن حميد في (مسنده) [1/221] والحسين بن الحسن المروزي في(زوائده على الزهد لابن المبارك) [1/1124]
3- عبد الوهاب بن عطاء: 
بلفظ (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم عشر مرات كان له بعدل عشر محررين أو قال بعدل محرر ))
أخرجه البيهقي في (الشعب) [ 1/593]. 
4- وهيب بن خالد: 
أخرجه البخاري في (صحيحه) [ رقم: 6041] قال: قال موسى بن إسماعيل عن وهيب.
قلت: وفيه صورة التعليق.!! قال الحافظ في (تغليق التعليق) [5/151 ]: (( وأما حديث موسى بن إسماعيل فقال ابن أبي خيثمة في ترجمة الربيع بن خثيم من (تاريخه) ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب بن خالد عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب عن النبي  قال: (( من قال لا إله إلا الله قال فذكر مثله يعني حدثنا مثله وبقيته وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان له من الأجر مثل من أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل )) اهـ
5- حماد بن سلمة: 
أخرجه الطبراني في (الكبير) [ 4/4017] والفسوي في (المعرفة والتاريخ) [ 3/204]بلفظ: (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان له كعدل محرر أو محررين))
قلت: الناظر لغالب الألفاظ يجدها على الشك(محررين أو محرر، كعدل عشر رقاب أو كعدل رقبة، كان له بعدل عشر محررين أو قال بعدل محرر، كان له كعدل محرر أو محررين) وثَمَّ للمتأمل تغاير آخر في الألفاظ.
فهل هذا الشك من داود ابن أبي هند أم من الرواة عنه؟!!
قلت: قال البيهقي في (الشعب) [1/421] عقب إخراجه للحديث (( شك داود ))
قلت: داود بن أبي هند: قال الحافظ في التقريب: (ثقة متقن كان يهم).
والرواة عنه وهم: 
1- يزيد بن هارون:( ثقة متقن عابد)
2-عبد الوهاب بن عبد المجيد: ( ثقة تغير قبل موته بثلاث سنوات ).
3- عبد الوهاب بن عطاء: ( صدوق ربما أخطأ، قال البخاري كان يدلس عن ثور الحمصي وأقوام أحاديث مناكير)
4- حماد بن سلمة: ( ثقة عابد تغير حفظه بآخره).
5- وهيب بن خالد: (قال ابن مهدي: كان من أبصر أصحابه بالحديث والرجال وقال أبو حاتم: ما أنقى حديثه لا تكاد تجده يحدث عن الضعفاء).
قلت: ولكن الشك – عندي- من الرواة عن داود بن أبي هند، للقرائن التالية:
1- رواية وهيب بن خالد عنه ليست على الشك، وهو من أبصر الناس بالحديث والرجال كما قال ابن مهدي، وما أنقى حديثه لا تكاد تجده يحدث عن الضعفاء كما قال أبو حاتم.
2- اختيار البخاري لهذه الرواية خاصة وتنكبه عن بقية الروايات؛ إذاً الروايات كلها مطروحة عدا رواية وهيب بن خالد. 
هذا...
وقد خولف هيب بن خالد أيضاً خالفه حمادُ بن زيد ( ثقة ثبت فقيه ) فرواه عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال كنا عند الربيع بن خثيم فحدث يومئذ أنه من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير مرة أو عشر مرات كان له ذلك يعدل رقبة أو عشر رقاب قلت ممن سمعته قال من عبد الرحمن بن أبي ليلى فأتيته فحدث فقلت ممن سمعته قال من أبي أيوب يحدث عن النبي . 
أخرجه الطبراني في (الكبير) [ 4/4018].
قلت: زاد حماد في السند (الربيع بن خثيم) وروى المتن على الشك، فتترجح رواية وهيب للقرائن السابقة. والله أعلم.
إذاً الراجح من الروايات عن داود هي رواية وهيب بن خالد، وهي قريبة من الوجهين الثابتين عن الشعبي كما تقدم. والله أعلم بالصواب.
قلت: وللحديث وجه آخر عن أبي أيوب رضي الله عنه فيه هذه الزيادة:
- عَبْد اللهِ بن يَعِيش ، عنه مرفوعاً بلفظ (( مَنْ قَالَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَلَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كُنَّ كَعَدْلِ أَرْبَعِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَ عَنْهُ بِهِنَّ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ، وَكُنَّ لَهُ حَرَسًا مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِذَا قَالَهَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ.)).
أخرجه أحمد في مسنده [5/415] واللفظ له، وابن حبان في صحيحه [5/ 2023إحسان ] نحوه. جميعاً من طريق مُحَمد بن إِسْحَاق حدثني يَزِيد بن يَزِيد بن جابر ، عن القاسم بن مُخَيْمِرَة ، عن عَبْد اللهِ بن يَعِيش ، عن أبي أيوب رضي الله عنه قال رسول الله  به.
وأخرجه الطبراني في الكبير [4/4092] وفي الشاميين [1/633و 4/3585]، وابن حبان في صحيحه [ 5/2024 إحسان] جميعاً عن ابن إسحاق قال حدثني يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول عن عبد الله بن يعيش عن أبي أيوب قال: قال رسول الله  (( من قال دبر صلاته إذا صلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب له بهن عشر حسنات ومحي عنه بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكن له عتق عشر رقاب وكن له حرسا من الشيطان حتى يمسي ومن قالهن حين يمسي كان له مثل ذلك حتى يصبح )).
قال أبو حاتم ابن حبان رحمه الله: سمع هذا الخبر يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول والقاسم بن مخيمرة جميعا وهما طريقان محفوظان.
قلت: المدار على عبد الله بن يعيش، وقال الحافظ رحمه الله في تعجيل المنفعة عنه: (مجهول)، فروايته منكرة لمخالفته لجميع أصحاب أبي أيوب رضي الله عنه.
تنبيه:
حديث أبي أيوب رضي الله عنه- هذا – له طرق كثيرة جداً، وهي عندي مخرجة، واكتفيت هنا بذكر الخلاف عن الشعبي، حتى أحرر زيادة ( من قال دبر صلاة الغداة ودبر صلاة المغرب ) التي لم تأتِ عن الشعبي إلا من طريق محمد بن أبي ليلى، وهي زيادة منكرة كما سبق بيانه، وكذلك ذكرت طريق عبد الله بن يعيش عن أبي أيوب رضي الله عنه لأن فيه تلك الزيادة (مَنْ قَالَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ) وهي أيضاً زيادة منكرة، وأهملت كل الطرق -عمداً - عن أبي أيوب رضي الله عنه التي ليس فيها هذه الزيادة، لأنها محل بحثي. والله أعلم 
الشاهد الثاني: عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله  قال (( من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله ))
أخرجه الترمذي في (الجامع) [ 5/3474] والخطيب في (تاريخ بغداد) [14/34]من طرق عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً به.
قال الترمذي: ( حديث حسن غريب صحيح ).
ووقع عند الخطيب: (عبد الرحمن بن غنم عن شهر بن حوشب عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً به.
ورواه عن عبيد الله بن عمرو من هذا الوجه: 1- علي بن معبد المصري 2- أبو نصر التمار، ورواه عن أبي نصر التمار من هذا الوجه: أحمد بن الهيثم، وخولف أحمد بن الهيثم خالفه البغوي فرواه عن أبي نصر التمار عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً به.
وخالف الجميع إدريس بن عبد الكريم الحداد فرواه عن أبي نصر التمار عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ رضي الله عنه مرفوعاً به.
أخرجه الطبراني في (الدعاء) [1/706]
قلت:
وثمَّ اختلاف آخر على عبيد الله بن عمرو الرقي:حكيم بن سيف وعبد الملك بن عبد العزيز عنه زيد بن أبي أنيسة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً نحوه.
أخرجه النسائي في (الكبير) [6/9955] وفي (عمل اليوم والليلة) [127] والبزار في (مسنده) [9/4050] وقال: (وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أبي ذر بهذا الإسناد)
هذا...
وللحديث أوجه أخرى منها:
ما أخرجه النسائي في (الكبير) [ 6/9954] وفي (عمل اليوم والليلة) [126] والمزي في (تهذيب الكمال) [6/544] من طرق عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن حصين بن عاصم بن منصور الأسدي عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله  (( من قال حين ينصرف من صلاة الغداة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات من قبل أن يتكلم كتب له بهن عشر حسنات ومحي عنه بهن عشر سيئات ورفع بهن عشر درجات وكن له عدل عشر نسمات وكن له حرسا من الشيطان وحرزا من المكروه ولم يلحقه في يومه ذلك ذنب إلا الشرك بالله ومن قالهن حين ينصرف من صلاة العصر أعطي مثل ذلك في ليلته )) .
وأخرجه الطبراني في (الكبير) [20/119] وفي (الدعاء) [1/706] عن المحاربي عن عاصم بن منصور الأسدي وعبد الله بن زياد المدني عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل مرفوعاً به.
وأخرجه عبد الرزاق في (المصنف) [6/3192] عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين وليث عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم مرسلاً بلفظ: (( من قال دبر كل صلاة وهو ثاني رجله قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له بكل واحدة عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان له بكل واحدة قالها عدل رقبة من ولد إسماعيل وكن مسلحة وحرساً من الشيطان وحرزاً من كل مكروه ولم يعمل عملا يقهرهن إلا أن يشرك بالله ))
ورواه معقل بن عبيد الله وهمام بن يحيى عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم مرسلاً بلفظ: (( من قال قبل أن ينصرف ويثني رجله من صلاة المغرب والصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له بكل واحدة عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكانت حرزاً من كل مكروه وحرزاً من الشيطان الرجيم ولم يحل لذنب يدركه إلا الشرك فكان من أفضل الناس عملاً إلا رجلاً يفضله يقول أفضل مما قال))
أخرجه أحمد في (المسند) [4/227] وذكره الدارقطني في (العلل) [6/248]
ورواه محمد بن جحادة واختلف عنه ، فرواه عبد العزيز بن حصين عنه عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي هريرة؛ وخالفه زهير فرواه عن بن جحادة عن شهر عن بن غنم مرسلاً.
ذكره الدارقطني في (العلل) [6/248]
ورواه العلاء بن هارون عن شهر بن حوشب قال أتيت أبا أمامة وهو في مسجد حمص فقلت يا أبا أمامة حدثت بشيء عنك أنك حدثت عن النبي  قال نعم سمعت رسول الله  يقول من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير عشر مرات في دبر صلاة الغداة كتب له بكل واحدة منها عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكانت له خيرا من عشر محررين يوم القيامة ومن قالها في دبر صلاة العصر كان له مثل ذلك ح فقلت له أنت سمعت هذا من رسول الله  قال نعم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس حتى ضم أصابعه.
أخرجه الروياني في (مسنده) [2/1250] وابن عساكر في (تاريخ دمشق) [17/316] واللفظ له
وخالف الجميع عبد الحميد بن بهرام فرواه عن شهر بن حوشب قال سمعت أم سلمة تحدث زعمت أن فاطمة جاءت إلى نبي الله  تشتكى إليه الخدمة فقالت: يا رسول الله والله لقد مجلت يدي من الرحى، أطحن مرة، وأعجن مرة؛ فقال لها رسول الله  : (( إن يرزقك الله شيئاً يأتك، وسأدلك على خير من ذلك؛ إذا لزمت مضجعك فسبحي الله ثلاثاً وثلاثين، وكبرى ثلاثاً وثلاثين، واحمدي أربعاً وثلاثين، فذلك مائة فهو خير لك من الخادم، وإذا صليت صلاة الصبح فقولي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيى ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، بعد صلاة الصبح وعشر مرات بعد صلاة المغرب فإن كل واحدة منهن تكتب عشر حسنات، وتحط عشر سيئات، وكل واحدة منهن كعتق رقبة من ولد إسماعيل، ولا يحل لذنب كسب ذلك اليوم إن يدركه إلا أن يكون الشرك، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو حرسك ما بين أن تقوليه غدوة إلى أن تقوليه عشية من كل شيطان ومن كل سوء))
أخرجه أحمد في (المسند) [6/298] والطبراني في (الكبير) [ 23/787]نحوه.
قلت:
والناظر لجميع الطرق يجد مدارها على شهر بن حوشب، وقد اضطرب فيها اضطراباً شديداً، ( فمرة يرويه عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر، ومرة عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، ومرة عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي هريرة، ومرة عن عبد الرحمن بن غنم مرسلاً، ومرة عن أبي أمامة، ومرة عن أم سلمة، هذا غير التفاوت في المتن).
وشهر بن حوشب ضعيف - عندي – وقال الحافظ في (التقريب): (صدوق كثير الإرسال والأوهام)، قلت: وهذه الأوهام التي عنده وكثرتها جعلته يضطرب في هذا الحديث كما رأيت؛ وقد قال الدارقطني في (العلل) [6/248]: ويشبه أن يكون الاضطراب فيه من شهر والله أعلم والصحيح عن بن أبي حسين المرسل بن غنم عن النبي . 

الشاهد الثالث: عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله  (( من قال في دبر صلاة الغداة؛ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة، قبل أن يثني رجليه، كان يومئذ أفضل أهل الأرض عملاً، إلا من قال مثل مقالته أو زاد على ما قال))
أخرجه الطبراني في (الكبير) [ 8/8075] وفي (الأوسط) [7/7200] وابن السني في (عمل اليوم والليلة) [1/142] من طرق عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن آدم بن الحكم عن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً به، ولم يذكر ابن السني في روايته (بيده الخير)
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي غالب إلا آدم بن الحكم ولا رواه عن آدم إلا عبد الصمد بن عبد الوارث.
قال المنذري في (الترغيب والترهيب)[ 1/182 ]: (رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد)!!
قلت: أبو غالب : هو حزور صدوق يخطئ كما في (التقريب)، وآدم بن الحكم وفي سؤالات ابن أبي شيبة[ 1/67] قال سألت علياً عن: آدم بن الحكم البصري؟ قال: (ضعيفٌ ضعيف)، وقال الحافظ عنه في (اللسان): (روى محمد بن خالد البرقي عن بن معين لا شيء نقله أبو العرب انتهى وقال بن أبي حاتم تغير حفظه روى شريك عن آدم البصري عن الحسن البصري وهو عندي آدم بن الحكم هذا إن شاء الله وذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال آدم بن الحكم صالح وسمعت أبي يقول ما أرى بحديثه بأسا وروى عنه أيضا موسى بن إسماعيل وأبو سعيد مولى بني هاشم وذكره بن حبان في الثقات)اهـ
قلت: هو عندي ضعيف لا يتحمل مثل هذا التفرد لا سيما وقد قال عنه ابن أبي حاتم: (تغير حفظه)
هذا...
وله وجه آخر عن أبي أمامة رضي الله عنه أشد منه ضعفاً:
أخرجه ابن عدي في (الكامل) [3/318]واللفظ له، والطبراني في (الشاميين) [2/829] من طرقٍ سليم بن عثمان ثنا محمد بن زياد سمعت أبا أمامة يقول: قال رسول الله  : (( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لم يسبقها عمل ولم يبق معها سيئة )) 
قلت: حديث منكر
فيه سليم بن عثمان منكر الحديث، قال البخاري في التاريخ: (عنده عجائب) وتبعه أبو حاتم في كتابه الجرح والتعديل، وقال أبو زرعة: (أحاديثه مسواة موضوعة)، وقال ابن عدي: (يروي عن محمد بن زياد الألهاني مناكير) وذكر ابن عدي هذا الحديث في ترجمته، وقال الذهبي في المقتنى: (منكر الحديث).

الشاهد الرابع: عن أبي يوسف يعقوب صاحب أبي حنيفة عن أبي حنيفة عن عبد الكريم عن النبي  أنه قال: (( من قال حين ينصرف من صلاة الفجر قبل أن يتأخر من مكانه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتبت له بها عشر حسنات، ومحى عنه بها عشر سيئات، ورفع له بها عشر درجات، وكان في جوار الله تعالى حتى يمسي، ومن 
قالها حين ينصرف من المغرب؛ قبل أن يتحرك من مكانه كان له مثل ذلك ))

أخرجه أبو يوسف في (كتاب الآثار) [1 :41 ].
قلت: 
مرسل، عبد الكريم لم يسمع من النبي ، وأبو حنيفة رحمه الله ضعيف الحديث، قال الإمام مسلم بن الحجاج: أبو حنيفة النعمان بن ثابت صاحب الرأي مضطرب الحديث ليس له كبير حديث صحيح، وقال النسائي: أبو حنيفة النعمان بن ثابت كوفي ليس بالقوي في الحديث) ذكر ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه [13/451]
قلت:
والناظر لكل الطرق يجدها شديدة الضعف، لا يقوي بعضها بعضاً، فالحديث الراجح فيه – عندي- أنه منكرٌ، والله اعلم، لأن هذه الزيادة (( من قال بعد صلاة الصبح... ومن قال ذلك بعد صلاة المغرب... )) لم ترد من طريق ولو يعتبر به، وخالف رواتها ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله  من فعله وقوله ومن ذلك:
1- عن المغيرة بن شعبة في كتابه إلى معاوية (( أن النبي  كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) أخرجه البخاري في صحيحه [1/808] ومسلم في صحيحه [ 1/592]
- وفي رواية: أن معاوية كتب إلى المغيرة أن اكتب إلي بحديث سمعته من رسول الله  قال فكتب إليه المغيرة إني سمعته يقول عند انصرافه من الصلاة: (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات قال وكان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع وهات وعقوق الأمهات ووأد البنات)) أخرجه البخاري في صحيحه [5/6108]
2- وكان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون وقال كان رسول الله  يهلل بهن دبر كل صلاة )) أخرجه مسلم في صحيحه [ 1/594] وغير ذلك من الأحاديث.
والحمد لله رب العالمين

تخريج الأثر المروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون)



طلب مني أحد الإخوة تخريج الأثر المروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون):
فأقول: تفضل أخانا الحبيب، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، ويتقبل منا ومنكم ويهدينا سبل السلام، اللهم آمين،،،،
أقول:
اعلم علمني الله وإياك أنني لم أقف على هذا الأثر مروياً عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلا في كتابين:
أخرجه ابن الأثير في (أسد الغابة) [1/646] وابن العديم في (بغية الطلب في تاريخ حلب) [4/146 رقم: 94] من طرق عن أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: (كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا مُدِحَ قَالَ:
اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي، وَأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْهُمْ، اللَّهمّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ، وَلا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ).
قلت:
الأصمعي هو: عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن على بن أصمع ، أبو سعيد الباهلي الأصمعي البصرى ( صاحب اللغة و النحو و الغريب و الأخبار )، قال الحافظ: صدوق، من الطبقة التاسعة من صغار أتباع التابعين.
قلت:
إذاً: بينه وبين أبي بكر رضي الله عنه مفاوز تنقطع عنها أعناق المطي. فالأثر أقل أحواله أنه معضل، وأضف إلى ذلك أنَّ: أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد، قال الدارقطني: تكلموا فيه.
قلت: من جهة العدالة – والله أعلم - لأنه كان يشرب الخمر –عياذا بالله- قال ابن شاهين كنا ندخل عليه فنستحيي مما نرى من العيدان والشراب وقد شاخ، وقال أبو منصور الأزهري دخلت فرأيته سكران فلم أعد إليه، كما في (السير) [29/92].
فالأثر عن أبي بكر ضعيف جداً.
ولكن روي عن جماعة آخرين بألفاظ متقاربة ومن ذلك:
1- عُمَر مَوْلَى غُفْرَةَ:
أخرجه أبو بكر الفريابي في (صفة النفاق وذم المنافقين) [1/42 رقم:94]، من طريق عبد الله بن المبارك وهو عنده في (الزهد) [1/14] قال أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ سَمِعْتُ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ يَقُولُ : (أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ النِّفَاقِ ، وَأَشَدُّهُمْ خَوْفَاً عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ الَّذِي لا يَرَى أَنَّهُ يُنْجِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ مِنْهُ الَّذِي إِذَا زُكِيَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ ارْتَاحَ قَلْبُهُ وَقَبِلَهُ) ، وَقَالَ : (وَإِذَا زُكِيتَ بِمَا لَيْسَ فِيكَ ، فَقُلْ : اللَّهُمَّ اغْفَرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ ، وَلا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
قلت: صحيح الإسناد إلى عمر مولى غفرة، وإبراهيم بن نشيط هو أبو بكر الوعلاني: ثقة، وليس فيه (اللَّهمّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ)
2- الأوزاعي:
أخرجه البيهقي في (الشعب) [6/504 رقم: 4533]، قال أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي نا أبو العباس محمد يعقوب أنا العباس بن الوليد بن مزيد نا أبي قال : سمعت الأوزاعي يقول: (إِذَا أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فِي وَجْهِهِ، فَلْيَقُلِ: اللهُمَّ أَنْتَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي، وَأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنَ النَّاسِ، اللهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ).
قلت: إسناده حسن، العباس بن الوليد بن مزيد: صدوق، قاله الحافظ، وليس فيه (اللَّهمّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ).
3- يزيد بن ميسرة:
أخرجه أبو نعيم في (الحلية) [5/240] قال حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان بن عمرو قَالَ: كَانَ يَزِيدُ بْنُ مَيْسَرَةَ فِيمَا بَلَغَنَا يَقُولُ: (إِذَا زَكَّاكَ رَجُلٌ فِي وَجْهِكَ فَأَنْكِرْ عَلَيْهِ وَاغْضَبْ، وَلَا تُقِرَّ بِذَلِكَ، وَقُلِ: اللهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ).
قلت: حسن الإسناد، أبو بكر بن مالك هو : أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبو بكر القطيعي، راوي مسند الإمام أحمد، وهو صدوق، تُكلم فيه وردَّ العلامة المعلمي اليماني رحمه الله تعالى على من طعن فيه بما لا مزيد عليه، في كتابه الماتع (التنكيل) [1/208] فليراجعه من شاء، وأبو المغيرة هو: عبد القدوس بن الحجاج الخولاني: ثقة، وباقي رجاله ثقات.
قلت: وليس فيه (اللَّهمّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ).
4- محمد بن زياد عن بعض السلف:
أخرجه البيهقي في (الشعب) [6/504 رقم: 4534] قال: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن الحسن نا أبو العباس نا أبو عتبة نا بقية نا محمد بن زياد عن بعض السلف، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُمْدَحُ فِي وَجْهِهِ ، قَالَ: التَّوْبَةُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: (اللهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَاجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ).
قلت: (ضعيف) بقية صرَّح بالتحديث فبرئت ساحته، ولكن العلة في أبي عتبة وهو: أحمد بن الفرج بن سليمان الكندي أبو عتبة الحمصي المعروف بالحجازي المؤذن، فهو ضعيف، كذبه بعضهم، ولكن القول فيه هو قول ابن عدي رحمه الله حيث قال: وأبو عتبة مع ضعفه قد احتمله الناس، ورووا عنه: أبو عتبة وسط ليس ممن يحتج بحديثه أو يتدين به إلا أنه يكتب حديثه، كما في (إكمال تهذيب الكمال) لعلاء الدين مغلطاي [1/104]
5- عدي بن أرطأة:
أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) [1/267 رقم: 761] قال حدثنا مخلد بن مالك قال حدثنا حجاج بن محمد قال أخبرنا المبارك عن بكر بن عبد الله المزني عَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَأَةَ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم إِذَا زُكِّيَ قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ).
قلت: خولف حجاج بن محمد خالفه هاشم بن القاسم، وعفان بن مسلم فروياه عن الْمُبَارَك بنِ فضالة ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ أَوْ مُدِحَ فَسَمِعَ قَالَ : اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَاغْفِرْ لِي مَا لاَ يَعْلَمُونَ). 
أخرجه الإمام أحمد في (الزهد) [1/205]، وابن أبي شيبة في (المصنف) [7/242 رقم: 35703].
فخالفه في أمرين:
1- في رواية عفان بن مسلم عند ابن أبي شيبة صرح مبارك بالتحديث عن شيخه، ومعلوم أن مبارك بن فضالة صدوق يدلس ويسوي، قال أبو زرعة إذا قال حدثنا فهو ثقة.
2- أنهما قالا: عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وهو قال: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم.
وبينهما فرق كبير لمن تأمل.
قلت: حجاج بن محمد هو المصيصي الأعور: ثقة ثبت تغير بآخره، فتترجح رواية عفان بن مسلم: ثقة ثبت ربما وهم، وهاشم بن القاسم: صدوق تغير بآخره، للكثرة.
والترجيح لا يعني الصحة كما هو معلوم، فعدي بن أرطأة قال الدارقطني: عدي يحتج بحديثه كما عند الذهبي في (تاريخ الإسلام) [3/98].
قلت: أي في المتابعات، ولذلك قال الحافظ عنه في التقريب: مقبول.
قلت: أي إذا توبع وإلا فلين، كما هو معلوم من صنيع الحافظ وتقريره في مقدمة التقريب.
قلت: ولقائل أن يقول: له متابع وهو: الأصمعي، بحمل قوله: (عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ) على أنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه كما في رواية الأصمعي.
فأقول تنزلاً: ولنفرض أن الرجل المبهم هنا هو المصرح به هناك، يبقى شيء مهم وهو: الإعضال أيضاً؛ فعدي بن أرطأة من الطبقة الرابعة التي تلي الوسطى من التابعين، قتل صبراً في خلافة معاوية بن يزيد بن المهلب سنة 102هـ، فبينه وبين أبي بكر رضي الله عنه المفاوز لذلك نص ابن حبان كما في (إكمال تهذيب الكمال) لعلاء الدين مغلطاي [9/201] فقال: (يروي المراسيل) اهـ.
هذا؛ وليس فيه - أيضاً- (اللَّهمّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ).
ولسائل أن يسأل: هل المعضل يتقوى بالمعضل فيصح به؟
أقول:
أولاً: لم يصح معضل الأصمعي؛ ففيه ابن دريد وهو مطعون في عدالته وكذلك معضل عدي كما تقدم.
ثانياً: هذان المعضلان بينهما تفاوت في المتن لمن تأمل.
ثالثاً: الصواب عندي - في هذه المسألة - الذي لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه أن الأصل في الحديث المعضل أنه لا يَتَقَوَّى بغيره ولا يُقَوِّي غيره، اللهم إلا إذا احتفت به القرائن التي تختلج في قلب الناقد وتهجم عليه فلا تدع له مجالاً للترد في الحكم على دخوله حيز الاعتبار؛ خلافاً لمن جعله محلاً للاعتبار مطلقاً، وليست بصدد بسط القول في هذه المسألة هنا، فقد حررتها بما لا مزيد عليه إن شاء الله في مكانها من كتابي (نسيم السحر شرح نخبة الفكر)، يسر الله طبعه.
قلت: وهذان المعضلان على الأصل لا يقوي بعضهما البعض، بل احتفت القرائن على ذلك لمن تأمل؛ مثل:
1- كلاهما لم يصح إلى من أعضله.
2- تغاير بعض ألفاظ المتن.
3- الأصمعي من صغار أتباع التابعين فمحتمل سقوط أكثر من راويين؛ وكذلك عدي بن أرطأة وإن كان من الطبقة الرابعة التي تلي الوسطى من التابعين إلا أنه شامي وأبو بكر مدني فاحتمال سقوط أكثر من راويين وارد بمرة، فمثل هذه القرائن يبعد بعد المشرقين تقوية أحدهما الآخر، هذا كله تنزلاً على الافتراض الأول، فكن على ذكر به وهو: (أن الرجل المبهم في رواية عدي هو أبو بكر الصديق المصرح به في رواية الأصمعي)، فكيف والافتراض هذا لا يمكن تصوره والحالة هكذا.
الخلاصة:
1- لم يثبت هذا الأثر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في أي طريق وقفت عليه.
2- ثبت الأثر عن آخرين كالأوزاعي ويزيد بن ميسرة وغيرهما.
3- لم يثبت لفظ: (وَاجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ) من أي طريق وقفت عليه.
4- يجوز الدعاء به ولكن لا يجوز نسبته لأبي بكر، فقد دعا به الإمام أحمد رحمه الله كما روى أبو بكر المروذي في (الورع) [ص: 152] قال: قلت لأبي عبد الله: إن بعض المحدثين قال لي: أبو عبد الله لم يزهد في الدراهم وحدها؛ قد زهد في الناس، فقال أبو عبد الله: (وَمَنْ أَنَا حَتَّى أَزْهَدَ فِي النَّاسِ؛ النَّاسُ يُرِيدُونَ يَزْهَدُونَ فِيَّ)، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: (أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ وَيَغْفِرَ لَنَا مَا لَا يَعْلَمُونَ).
ودعا به الإمام ابن باز رحمه الله لما مدحه أحدهم على نيله جائزة الملك فيصل فقال: من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ الكريم فضيله الأستاذ الجليل والأديب الفاضل الشيخ أحمد محمد جمال، لازال موفقاً لجميل الخصال، نائلاً غاية الآمال آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فقد اطلعت على كلمتكم في جريدة عكاظ تاريخ 27/3/1402هـ حول منح أخيكم جائزة الملك فيصل وما تفضلتم به من الثناء الجميل، والدعوات الطيبة، والشعور النبيل نحو محبكم، وإني لأشكركم وجميع إخواني على حسن ظنهم بي، وأسأل الله أن يجعلني خيراً مما يظنون، ويغفر لي ما لا يعلمون....) انتهى من كتاب (جوانب من سيرة ابن باز) [ص: 86].
وغيرهما الكثير من أهل العلم، والله تعالى أعلى وأعلم.
والحمد لله رب العالمين.
وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وكتب:
أبو العباس بلال بن عبد الغني السالمي الأثري
القصيم – عنيزة
18/10/1436هـ

تخريج أثر يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! يُعَذِّبُنِي اللهُ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: « لَا. وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ ».



عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُكْثِرُ فِيهَا الرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! يُعَذِّبُنِي اللهُ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: « لَا. وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ ».
(صحيح بمجموع طرقه):
أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) [3/52 رقم: 4755]، والدارمي في (المسند) [1/126 رقم: 436]، وابن عبد البر في (التمهيد) [20/104]، والبيهقي في (الكبرى) [2/466 رقم: 4621].
من طرق عن الثوري عن أبي رباح عن سعيد به.
قلت: أبو رباح هو: عبد الله بن رباح القرشي، ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير) [5/ 85] وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) [5/ 52] ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في (الثقات) [7/3].
قلت: روى عنه مسعر بن كدام والثوري، فيحسن حديثه على أقل أحواله، ولذلك قال الذهبي كما في (الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية) [ص:156]: (إسناده قوي.) اهـ. وصححه الإمام الألباني رحمه الله في (الإرواء) [2/236] وقال: (وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الة تعالى وهو سلاح قوي على المبتدعة الذين يستحسنون كثيرا من البدع باسم انها ذكر وصلاة ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكر والصلاة!! وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك) اهـ.
هذا... وقد صحف (أبو رباح) بالموحدة، إلى (أبو رياح) بالياء التحتية، والصواب الأول كما أثبته، ولله الحمد.
وقد اضطرب الحويني - هداه الله – في تعينه، فقال في (الفتاوى الحديثية) [1/428]: (ورجالُهُ ثقاتٌ أئمةٌ، لولا أن أبا رباح شيخ الثوري ما عرفتُهُ، ويحتمل أن يكون هو أبو رباح بن أبي الحكم بن حبيب الثقفي، ترجمه ابنُ أبي حاتم (371/2/4)، وابن حبان في "الثقات" (573/5) وقالا: "روى عنه عمر بن ذرّ".
ويحتمل أن يكون هو رباح بن أبي معروف المكيِّ، وتكونُ أداةُ الكنية مقحمةً، فإن الثوري يروي عنه، وهو قد روى عن جماعة من التابعين، منهم عبد الله بن أبي مليكة، وغيره، فروايتُهُ عن سعيد محتملة، ثم هو مختلفٌ فيه، وهو وسطٌ. فإن يكنْهُ، فالإسناد صالحٌ، ومثلُ هذه الحكايات يتسامح فيها أهلُ العلمُ) انتهى كلامه. 
قلت: أبو رباح هو: عبد الله بن رباح القرشي، قال أبو أحمد الحاكم في (الأسامي والكنى) [5/15]:أخبرنا أبو العباس الثقفي قال سمعت المفضل بن غسان يعني الغلابي قال سمعت يحيى بن معين يقول: سفيان عن أبي رباح اسمه: عبد الله بن رباح) اهـ.
قلت: الحمد لله على توفيقه.
هذا.... وله وجه آخر عن سعيد:
أخرجه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) [1/214 رقم: 381]، قال أنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان, أنا عثمان بن أحمد الدقاق, نا أبو الإصبع القرقساني, نا مخلد بن مالك الحراني, نا عطاف بن خالد, عن عبد الرحمن بن حرملة, أن سعيد بن المسيب, نظر إلى رجل صلى بعد النداء من صلاة الصبح, فأكثر الصلاة فحصبه , ثم قال: « إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُكُم يَعْلَم فَلْيَسْأَل, إِنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ النِّدَاءِ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ » قال : فانصرف فقال : يا أبا محمد , أتخشى أن يعذبني الله بكثرة الصلاة ؟ قال : «بَلْ أَخْشَى أَنْ يُعَذِّبَكَ اللهُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ ».
قلت: إسناده حسن.
عبد الرحمن بن حرملة: قال النسائي لا بأس به، وعطاف بن خالد: صدوق يهم، ومخلد بن مالك الحراني: لا بأس به، وبقية رجاله ثقات.
فالأثر صحيح بمجموع طرقه والله أعلم.
انتهى من كتابي (نزل الأبرار في السلسلة الصحيحة من الآثار) [1/273].
وكتب:
أبو العباس بلال بن عبد الغني السالمي الأثري
الثغر السكندري
29/6/1437هـ.